الرأسمالية المتأخرة- هروب من الثراء أم حتمية الانهيار؟

المؤلف: مي خالد09.26.2025
الرأسمالية المتأخرة- هروب من الثراء أم حتمية الانهيار؟

«الهروب من الثراء»، فيلم وثائقي قيم، يمتد لـ 56 دقيقة، أنتجته شبكة PBS العريقة عام 1998، ويعد استكمالاً للفيلم الوثائقي «الثراء» الذي أُطلق عام 1997. بينما يركز الفيلم الأصلي على مظاهر الثراء، النزعة الاستهلاكية، والتمركز المادي في صميم المجتمع المعاصر، يوجه الجزء الثاني عدسته نحو كيفية التحرر من الاستهلاكية الجامحة وتجنب الثراء المفرط -إذا جاز التعبير-. يسلط الفيلم الضوء على حكايات واقعية لكيفية الحد من الديون المتراكمة، القروض المرهقة، التوتر المستمر، ضيق الوقت، والرغبة الشديدة في التملك.

هذا الفيلم، جنبًا إلى جنب مع دراسات ومقالات أخرى غزيرة، يتنبأ منذ عقود بأن الرأسمالية تجتاز مراحل مصيرية في مسارها الحتمي، مما يؤدي إلى استحواذ قلة نافذة على الجزء الأكبر من الثروة، ويقود في نهاية المطاف إلى انهيارها المدوي حينما يعجز النظام عن تحقيق التطلعات الجوهرية لأغلبية الناس؛ مثل القدرة على امتلاك مسكن لائق والحصول على مكافآت مجزية مقابل الجهد المضني المبذول.

ولقد بلغنا اليوم منعطفًا حرجًا يتسابق فيه جيف بيزوس، مالك إمبراطورية أمازون، وإيلون ماسك، رائد التكنولوجيا، لتصميم صواريخ فضائية متطورة، بينما يجد العاملون بدوام كامل في أمازون أو في إحدى شركات ومؤسسات إيلون ماسك صعوبة بالغة في شراء منازل متواضعة في بعض الولايات ذات التكاليف المعيشية الباهظة.

الأمر، في نظر أنصار نظرية انهيار الرأسمالية، لا يتعلق مطلقًا بالعدالة أو بالظلم المتفشي، بل بحلقات تغذية راجعة سلبية تتسبب في إخفاق النظام الرأسمالي تدريجيًا بمرور الوقت. فالرأسمالية، شأنها شأن أي نظام آخر، عرضة للتقلبات والعشوائية.

الأمثلة الدامغة لديهم لا تحصى، ومنها:

من الأيسر جني المزيد من الأموال الطائلة عندما تمتلك المال بالفعل (الوصول الميسر إلى الفرص الذهبية).

بإمكان أولئك الذين يملكون الثروات الطائلة التأثير على السياسات العامة بدرجة تفوق بكثير أولئك المحرومين منها (ممارسة الضغوط الهائلة، والتأثير في الرأي العام بشتى الوسائل، على غرار الدور الذي يلعبه إيلون ماسك حاليًا).

إن أصحاب الثروات الهائلة قادرون على شراء العدالة بأموالهم (الفساد المستشري) أو فرضها بقوة نفوذهم (توكيل محامين أكفاء، وإفلاس الخصوم، وإجبار الآخرين على الرضوخ لتسويات مجحفة ودفع التعويضات الباهظة والديات).

من الصعب للغاية أن تفشل حينما تكون مدججًا بالثروة، وحتى في حال الإخفاق، لن تواجه نفس العواقب الوخيمة التي تحل بمن هم أفقر منك.

إن حقيقة امتلاكك للثروة الطائلة يمكن أن تكون مصدرًا إضافيًا لتدفق الثروة (الاستثمار الذكي، الفائدة المتراكمة، الإقراض المربح).

في أغلب الأحيان، تنتقل الثروة بسلاسة عبر الأجيال المتعاقبة.

تُوصف الرأسمالية في مراحلها المتقدمة بأنها مجتمعٌ تفشى فيه كل ما سبق ذكره لفترة طويلة، مما أدى إلى تصدع العقد الاجتماعي وفشل الضوابط الرقابية.

أتفق مع الكثيرين ممن ينظرون إلى الرأسمالية نظرة اشمئزاز، ولكني أدرك تمام الإدراك أنه لا يوجد بديل منطقي يلوح في الأفق للاقتصاد العالمي اليوم سوى الفوضى العارمة والعبث المطلق.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة